من اشهر القبائل التي استقرت في دنقلا نذكر الجعافرة، والجعافرة ينتسبون الى الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب وكان شقيق على ابن أبي طالب رضي الله عنهما وأسن منه بعشر سنوات ، وهاجر الهجرتين الى الحبشة والمدينة المنورة، وقد فتح خيبر فعانقه الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا (ما أدري أأفرح بفتح خيبر، أم أفرح بقدوم جعفر) وكان جعفر يحب المساكين ويجلس اليهم فكناه الرسول صلى الله عليه وسلم أبا المساكين وكثيرا ما كان يقول له "أشبهت خلقي(بفتح الخاء) وخلقي (بضم الخاء) " وقتل شهيدا في غزوة مؤته في السنة الثامنة للهجرة في مشهد بطولى ترويه كتب التاريخ حيث قطعت يمينه في المعركة فحمل الراية بشماله ثم قطعت شماله فحملها بعضديه حتى قتل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأي جعفرا يطير بجناحين في الجنة مع الملائكة لذلك اسماه الناس بالطيار، وقد استشهد عن أربعين سنة وأعقب تسعة من الأولاد منهم ثلاثة لهم عقب هم جعفر الأصغر ومحمد و عبد الله وقد أنجب عبد الله ولدا يسمي على الزينبي نسبة الى والدته زينب بنت على بن أبي طالب من فاطمة الزهراء ويرجع الجعافرة الى على الزينبي هذا ، وهناك فرع من الجعافرة يرجعون الى الامام جعفر الصادق من نسل الحسين بن على كما ذكر القلقشندي والمقريزي وغيرهما من علماء الأنساب .
وقد وفد جعافرة دنقلا من جنوب مصر (من دراو) على وجه التحديد، وبين دراو ودنقلا علاقة حميمة، حيث كانت دنقلا هي آخر وأهم محطة سودانية لقوافل الجمال المصدرة الى مصر بينما كانت دراو هي أولى المحطات المصرية، ودراو تنقسم الى قسمين: قسم يقيم به العبابدة والقسم الأخر يسمي حي المهاجرين وسكانه من الجعافرة وشيخهم كان الشيخ موسى حسنين جد معظم الجعافرة المهاجرين الى دنقلا، وقد قدم بابكر بدري في كتابه (حياتي) وصفا جميلا للحياة في دراو وعن أهلها الجعافرة الذين أكرموا وفادته، وسبب ذلك أنه بعد هزيمة الانصار في توشكي تم توزيع الأسرى على أعيان مصر وخاصة في الصعيد وكان نصيب بابكر بدري أن يكون مع عمدة دراو الذي أكرمه حينما علم أنه حافظ للقرآن، ويقدم بابكر بدري وصفا جميلا لعمدة وأهالى دراو في كتابه المذكور (كتاب حياتي لبابكر بدري صفحة 156)
من أشهر الأسر الجعفرية في دنقلا آل العميري، والقرمانية ، وال حسن عبد المجيد وغيرهم، ومن العميرية كان العم طه العميري حافظا للقران أديبا وعالما وكانت تربطه صداقة قوية مع الاستاذ عباس العقاد حيث زامل العقاد أثناء طفولته بمدينة اسوان وكانت بينهما مراسلات عديدة .ومن ال العميري نبغ الفنان عبد العزيز العميري وقد هاجر والده عبد الحميد العميري الى ام درمان أولا ثم الى الأبيض حيث استقر بها، وربما كان لعادات وتقاليد أهل دنقلا أثرها في تأخر ظهور عبد العزيز العميري كمطرب على الرغم من أنه كان يمتلك خامة صوتية لا مثيل لها، فأهل دنقلا كانوا - وما يزالون - لا يشجعون أبناءهم على ارتياد مجالات الغناء ويتشددون في ذلك ايما تشدد. ومنهم الشيخ صالح الجعفري المدني شيخ الطريقة الجعفرية بمصر وكان امام وخطيب جامع الأزهر وقد كتب عدة مصنفات في التصوف ، وكان قد حفظ القرآن في خلوة شروني بقرية ارتدي وهي خلوة عريقة قرأ فيها الشيخ على الامام وأبنه العالم البروفسير أحمد على الامام الذي قدم عنها نبذة وافية في كتابه (الخلوة والعودة الحلوة)، وقد ذكر الاستاذ محمد سليمان الطيب في كتابه موسوعة القبائل العربية (ص 759) " ومن الجعافرة بطون كثيرة في بلاد السودان بعضهم من جعفر الطيار الهاشمي وبعضهم من جعفر الصادق من ذرية الحسين بن على بن ابي طالب ، ورأس الجعافرة في دراو ، ومن شيوخهم الشيخ صالح الجعفري رحمه الله المدفون بحديقة الدراسة بالقاهرة وقد شيد في حياته مسجدا كبيرا هناك" ،وبعد وفاة الشيخ صالح الجعفري استدعي ابنه عبد الغني ليتولى مشيخة الطريقة وكان يعمل معلما في دنقلا.
وفي دنقلا عاش الشيخ على الامام (والد العلامة شيخ علماء السودان البروفسير أحمد على الامام) وكان اماما بمعنى هذه الكلمة حفظ القران وتبحر في العربية والعلوم الاسلامية ثم ذهب الى الأزهر فمنح العالمية والجدير بالذكر أنه حينما اعد له الاختبار لتحديد مستواه لارفاقه بالدفعة المناسبة وجدوه متبحرا في كل العلوم فطلبوا منه أن يقوم بالتدريس بدلا من أن يتلقى العلم وكانت اجازته لمن يقرأ على يديه تعدل شهادة المعهد العلمي. وقد تخرج على يديه العديد من الائمة وحفظة القرآن الكريم، وقد خلف مكتبة عظيمة من المخطوطات وله فيها شروحات وتصانيف رائعة، ومن مشاهير دنقلا أل السنهوري وهم من صعيد مصر، وهنالك اسر أخري في السودان تحمل هذا الاسم (السنهوري) في شندي وفي غرب السودان وليست هنالك صلة قرابه بينهم على ما أعلم، وقد اشتهر من السناهير بدنقلا الاستاذ جمال السنهوري، وكان من أوائل السودانيين الذين التحقوا بحركة الاخوان المسلمين في مصر على يد مؤسسها الشيخ حسن البنا، وقد تحول الاستاذ جمال الى الطريقة البرهانية وأصبح شيخها في مصر وقد عينه الرئيس جمال عبد الناصر رئيسا لاذاعة صوت العرب من القاهرة وكان مذيعا بها،وسكن بدنقلا أيضا الشيخ عمر عطية الذي كان يعمل قاضيا شرعيا بمحكمة دنقلا وهو من عرب العليقات بجمهورية مصر العربية، والعليقات هم أحفاد ابراهيم العلق (العلق بمعنى النفيس) من سلالة عقيل بن أبي طالب والعقيلات منتشرون في كل من السعودية وفلسطين ومصر والسودان حيث كان مناطا بهم خفارة السكة حديد وطريق الأربعين ، ولما سير محمد على باشا حملته لفتح السودان عام 1821م ذهب في حملته فريق كبير من العليقات كخبراء في الطريق فضلا عما يحملون على جمالهم من معدات للحملة يقول نعوم شقير في كتابه تاريخ سيناء عن العليقات " وقد أكرم ابراهيم باشا وفادتهم (أي العليقات) ومنحهم كل امتيازات العربان من الاعفاء من سائر الأعمال كالجندية وحفر الترع وخص لهم الدرب الأربعيني من مصر الى السودان واباح لهم ما كانوا يجبونه من الضرائب على القوافل السودانية"